مجلة الكفاح العربى اللبنانية تكتب .. محنة الأقباط .. اسئلة ما بعد المجزرة .. " قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية ان مسؤولية الحادث الاخير تقع على فشل النظام المصري سياسياً”، واضافت ان ما يحدث حرب دينية لانهاء الوجود القبطي في مصر "
نجع حمادي: اسئلة ما بعد المجزرة
محنة الأقباط
كتب: امين قمورية
حادث مقتل عدد من الاقباط ليلة عيد الميلاد في مدينة نجع حمادي المصرية، حلقة جديدة في مسلسل العنف الطائفي الذي تشهده المنطقة، بعد عقود طويلة من التعايش والتسامح، وهو يفتح جروحاً جديدة في اوساط المسيحيين المصريين, ويجدد المخاوف من ممارسات دينية عنصرية تعددت اشكالها ومظاهرها على امتداد المنطقة.
لم تكتمل فرحة الاقباط المصريين ليلة الميلاد بالعيد اذ سرعان ما انتشرت انباء الهجمات على المصلين في كنيسة نجع حمادي الصعيدية خلال قداس منتصف الليل الذي تلته توترات ومواجهات وحرق منازل ومحلات تجارية في المدينة وجوارها وملاحقة للمسيحيين عشوائيا وعلى الهوية مما ادى الى مقتل ستة من الاقباط ورجل امن ولا تزال مضاعفاتها السلبية مستمرة حتى الآن ليس في مصر وحدها انما في المحافل الدولية ايضا.
وفي مصر حيث يشكل الاقباط تقريبا عشرة في المئة من تعداد السكان، تعد الصدامات بين المسلمين والمسيحيين امرا شائعا، لكن غالبا ما كانت هذه الصدامات تتعلق بنزاع على قطعة ارض او خلاف على امرأة تؤدي الى اشكال من العنف. الا ان الصدام الاخير كان شديدا هذه المرة وعشوائيا. واعتبر أعنف اعتداء يتعرض له الأقباط في مصر منذ أحداث قرية الكشح في صعيد مصر، قبل عشر سنين. وعلل البعض دوافع الهجوم الجديد باقدام شاب قبطي على اغتصاب فتاة مسلمة في المنطقة نفسها في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. إلا أن هذا التفسير لم يلق قبولا عند الكثيرين على اعتبار ان مثل هذه الحالات تتكرر في الصعيد المصري شأنها شأن اي حالات مماثلة اخرى في اكثر من مكان، و“الثأر في صعيد مصر لا يكون بالقتل العشوائي، بل بالانتقام من القاتل أو عائلته”.
وبغض النظر عن الاسباب المباشرة للحادث، فان المستشار لدى المركز القبطي للدراسات الاجتماعية المفكر المصري المعروف سمير مرقص، رأى في ما جرى
“مشهدا جديدا في سلسلة حلقات التوتر الديني في مصر منذ مطلع السبعينيات إلى اليوم”، وقال أن “اغتيال مجموعة من الأقباط، في الشارع وبشكل عشوائي، أمر لم تشهده مصر حتى في السبعينيات من القرن الفائت حين كانت جماعات الاسلام السياسي المسلح في ذروة نشاطها”. ايده في ذلك مؤلف كتاب “النص والرصاص: الاسلام السياسي والاقباط وازمات الدولة الحديثة في مصر“ الدكتور نبيل عبد الفتاح الذي وصف هجوم نجع حمادي
بـ”الحدث البالغ الخطورة على فكرة التكامل الداخلي في مصر وعلى مفهوم الأمة الواحدة الذي صاغه الكفاح المشترك للمصريين في بناء الدولة الحديثة”. واعتبر أن خطورة هذا الحدث تكمن أيضا في أنه يعيد إلى الأذهان “نمط العنف الطائفي الذي كان سائدا في مصر في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي”. وأضاف عبد الفتاح، وهو ايضا رئيس تحرير “تقرير الحالة الدينية في مصر”، أن هذا الهجوم يعكس أيضا “طبيعة الثقافة السائدة في مناطق متعددة من صعيد مصر، ثقافة ذات جذور ثأرية، ثقافة قائمة على الشرف بالمعنى التقليدي”.
اهل ذمة؟
غير ان باحثين اخرين اعتبروا ان المشكلة “أكبر من ان تفسر ضمن منظومة القيم السائدة في الصعيد”، ذلك ان هجوم ليلة الميلاد ليس الاول من نوعه وهو واحد من سلسلة هجمات استهدفت الاقباط في السنوات الاخيرة لم تقتصر على منطقة الصعيد وحدها، بل بلغت حتى المدن الكبرى مثل القاهرة والاسكندرية. ويؤكد هؤلاء “وجود مظاهر تمييز” ضد الاقباط في ما يتعلق ببناء الكنائس او اجراء تعديلات عليها او في ما يتعلق بتوظيف المسيحيين في بعض مؤسسات الدولة. ويعزو البعض ظهور هذا التمييز الى تنامي النزعة السلفية لدى قسم كبير من المسلمين في مصر. اما مرقص فيرى ان جذور المشكلة تعود إلى الخمسينيات إثر تسلم الضباط الأحرار للسلطة بعد اطاحة الملكية. وهو يركز خصوصا على عهد الرئيس الراحل أنور السادات الذي وصف نفسه بأنه رئيس دولة اسلامية والذي “شهد عهده تطورا نوعيا (بالمعنى السلبي) في التعامل مع الأقباط” بحيث صار ينظر إليهم “كجماعة دينية فقط”.
وتنبع خطورة هذا الطرح في رأيه من أنه “أعاد تقسيم مصر على أساس ديني”. ويضيف مرقص أن “المد الديني الاسلامي، الذي بدأ مع مطلع السبعينيات، شجع على العودة إلى بعض المفاهيم القديمة في ما يتعلق بالوضع القانوني للأقباط، بمعنى هل هم أهل ذمة أم لا؟” ليس هذا فحسب، بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك إلى حد “مطالبتهم بدفع الجزية”.
واذا كان الجميع يتفق على ان المد السلفي والاصولي المتشدد هو احد اسباب الاستقطاب الديني ليس في مصر وحسب بل في المنطقة كلها، فان هذا المد لقي في مصر “بعض التواطؤ داخل البيروقراطية الحاكمة” وأوجد “ارضية صالحة للاستثمار السياسي من جانب الاخوان المسلمين والجماعات الاسلامية على اختلاف مشاربها”.
الى ذلك، فان السلطة المصرية اهملت الجوانب السياسية والاجتماعية والقانونية في معالجتها الحوادث ذات الطابع الديني واصرت على مقاربتها من الناحية الامنية مما اعطى نتائج عكسية وذكى التوتر الديني بدل اخماده. في حين كان المطلوب من السلطة ان تعيد النظر في البنية القانونية والدستورية القائمة بما يسمح بالتأكيد على حرية التدين والاعتقاد، كذلك اعادة النظر في المناهج التربوية المشبعة بالنفس التعبوي والتمييز الديني عوضا عن الاكتفاء بمعالجة امنية محضة قوامها توقيف بعض المتهمين ثم اعادة اطلاقهم عبر الباب الدوار بتدخل مسؤول حزبي او وجيه محلي او عائلي.
لن نقبل!
الهجوم سلط الاضواء الخارجية على اوضاع الاقلية القبطية في مصر، اذ سرعان ما تحول الى مادة صحافية مثيرة تناقلتها كبريات الصحف الاجنبية كما أثار ردود فعل قوية في الخارج ولا سيما من رأس الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان التي اعلنت دعمها الكامل للكنيسة القبطية الارثوذكسية ما ارخى بظلال الشك على علاقات القاهرة بعواصم القرار واضاف اداة ضغط دولية جديدة على هذا البلد في ابرز نقاط ضعفه الا وهي الحريات وحقوق الانسان. فقد حذرت صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” الاميركية من الاستبداد الديني في مصر والتوترات الطائفية التي بلغت “جانبا مظلما”. وتوقعت مثلما توقع آخرون بأن يكون الحادث نذير شؤم لمصر حيث يكون اشارة انطلاق للاقباط للدفاع عن حقوقهم ووجودهم التاريخي في الارض المصرية وتاليا فتح صفحة جديدة من الصراع الديني في هذا البلد.
ويشارك الخبير في “مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية” الدكتور عماد جاد الصحيفة الاميركية هذا التخوف إذ يقول: “ان الاقباط في مصر تجنبوا دائما الرد على ما كانوا يتعرضون اليه من هجمات، لكن بعد الذي حدث في نجع حمادي بدأوا يطالبون بحقوقهم والدفاع عن انفسهم“. وقد توقع ان يبدأ المسيحيون المصريون في التظاهر والتحرك والرفض “وربما نرى بعد ذلك تسعيرا للصدامات والمواجهات”.
ومن جهته ابلغ عضو اللجنة العليا لكنائس المعادي شريف دوس الى اعضاء مجلس الشعب المصري في جلسة عامة ان “مصر تفيض الان بالغضب القبطي بعد اكتواء الاقباط بتقاعس الأمن عن حمايتهم، مؤكدا “لن نجلس في جلسة صلح او جلسات ودية بعد الآن... ولا نقبل في أي حال من الاحوال معاملتنا بهذه الطريقة“.
وقد ذهب رئيس الجمعية الوطنية القبطية موريس صادق الى ما هو ابعد عندما طالب الولايات المتحدة بالتدخل “لانقاذ 22 مليون قبطي في مصر معرضين للابادة شانهم شان مواطني دارفور المحتاجين الى مساندة المجتمع الدولي وتدخله الحاسم”. واعتبر ان المحتل الفرنسي والانكليزي كانا اكثر رفقا بالاقباط من الحكومة المصرية الحالية مناشدا باريس ولندن تحرير الاقباط ممن سماهم “الجبابرة المسلمين” والتدخل لحمايتهم من “حرب ابادة جماعية”.
طباخ الريس
وقد كشفت الدكتورة جورجيت قليني – عضو بعثة تقصي الحقائق التي أرسلها المجلس القومي لحقوق الانسان الى نجع حمادي للوقوف على الأسباب الحقيقية لواقعة الاعتداء عن أن التقرير سيطالب في توصياته بضرورة القصاص السريع من الجناة مرتكبي الحادث، وسيشمل أيضاً من حرضهم على ارتكاب الجريمة، خصوصاً أن أعضاء اللجنة تبين لهم من اللقاءات التي أجروها بهذا الصدد تورط شخصيات مهمة ومعروفة في البلد هي التي حرضت على ارتكاب الجريمة. وأضافت قليني أن التقرير سيعرض على المجلس في اجتماعه برئاسة الدكتور بطرس غالي – رئيس المجلس- لمناقشة ما ورد به فضلاً عن إصدار توصيات بشأنه، لافتة إلى أنها لمست خلال زيارتها لنجع حمادي حجم المعاناة والرعب الذي يعيشه الأهالي جراء الاعتداء الذي تعرضوا له، لدرجة أن حياتهم تكاد تكون متوقفة تماماً، وتابعت: الوضع هناك أشبه بما جاء في فيلم «طباخ الريس» عندما أخليت الشوارع من المارة ومكث المواطنون داخل منازلهم. واستنكرت قليني تصريحات المسؤولين الحكوميين حول الواقعة وأشارت إلى أنهم يحاولون فيها تجميل الأوضاع، مؤكدة أن بعثة تقصي الحقائق تبين لها من خلال اللقاءات مع الأهالي، أن الفارق بين تصريحات الأهالي وتصريحات المسؤولين حول الواقعة أشبه ما تكون بالفارق بين السماء والأرض، ففي الوقت الذي خرج المحافظ على شاشات الفضائيات ليؤكد أن الحالة هادئة والأمن مستتب، كانت هناك منازل تحرق في قرية بهجورة من الساعة الخامسة عصراً وحتى منتصف الليل. وأعربت قليني عن استيائها من التعامل الأمني مع الواقعة، والذي كشف عن وجود خلل في التعامل، شارحة أن وقائع الاعتداء الثلاثة حدثت في مساحة لا تتجاوز الستة آلاف متر، وبالتالي لو كان هناك شخص مسلح «بنبلة» لحال دون وقوع كل هذه الاعتداءات، ومن ثم فإن الحديث عن الوجود الأمني يعتريه بعض النقصان لأنه لو كان هناك وجود أمني كما يقال لاستطاع محاصرة المكان وإحباط الجريمة.
وسبق للمجلس القومي لحقوق الانسان أن أرسل بعثتي تقصي حقائق للوقوف على أسباب وتداعيات الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة نجع حمادي، إحداهما من مكتب الشكاوي المتنقل، والاخرى ضمت عدداً من أعضاء المجلس وهم: الدكتور فؤاد رياض، والدكتورة جورجيت قليني والمستشارة سامية المتيم، وذلك للقاء المسؤولين والقيادات الدينية والكنسية بالمحافظة.
من ناحية أخرى استمرت المنظمات الحقوقية في إدانة واقعة الاعتداء على الأقباط في نجع حمادي وطالبت بمحاسبة القيادات الأمنية في المحافظة معتبرة أن حدوث مثل هذه الواقعة الأليمة ينم عن وجود خلل أمني في تلك المحافظة وهو ما يستوجب معه المحاسبة عن هذا الخطأ الجسيم، وأصدرت منظمة اتحاد المحامين للدراسات القانونية والديمقراطية بياناً دانت فيه الأحداث المؤسفة التي راح ضحيتها عدة أشخاص من شركاء الوطن وأبنائه، ووصفت تلك الأحداث بالوحشية والدامية، كما حملت المنظمة الحكومة كامل المسؤولية عن تلك الأحداث نتيجة التقصير والضعف في تعميق مفهوم المواطنة بصعيد مصر، وقالت إن تضييقها على منظمات المجتمع المدني والتي كان من الممكن أن تؤدي هذا الدور مما أدى الى غياب الوعي.
وأشارت المنظمة الى أن حل الأزمة لن يأتي إلا بإلغاء أي تمييز بسبب الدين أو العرق أو الجنس، وترى أنه لن تجدي أي محاولات لتهدئة الأوضاع عن طريق رجال الدين أو السياسة، لأن الأمر بات ملحاً لدخول مفهوم المواطنة حيز التنفيذ الفعلي، وقد حان الوقت لتجنيب الدين بعيداً عن أي أمر سياسي وأكدت المنظمة أن تصريحات رجال الدين لن تصلح شيئاً.
يبقى ان الاعلام الغربي الذي تناول احداث نجع حمادي توزع بين الاعتدال والتشنج. “نيويورك تايمز”، مثلاً، كتبت ان المصريين توحدوا تاريخياً في فترة القومية العربية عندما كانوا يشعرون بالقوة، وقد عاشوا مسيحيين ومسلمين في سلام، لكن تسرب النزعة الدينية في اوقات لاحقة زاد من التوترات الطائفية التي بلغت ذروتها خلال السنين الاخيرة.
وبخلاف “نيويورك تايمز” قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية ان مسؤولية الحادث الاخير تقع على فشل النظام المصري سياسياً”، واضافت ان ما يحدث حرب دينية لانهاء الوجود القبطي في مصر، واتهمت الرئيس حسني مبارك ورئيس وزرائه احمد نظيف بأنهما لم يفعلا شيئاً لمواجهة مخاوف الاقباط من الهجمات المتكررة عليهم
.
السبت مارس 19, 2016 6:55 pm من طرف 
