كيف يتحول طفل بريء إلي انتحاري؟
قدمت قناة »سي ان ان – C.N.N« الإخبارية الأمريكية تقريرا عن احدي وسائل تحويل الأطفال إلي قتلة؟
السبت:
عشرون انتحاريا من طالبان يفجرون انفسهم دفعة واحدة في القصر الجمهوري والوزارات المختلفة في افغانستان ويقتلون الكثير من الابرياء.
وامام مثل هذا الحادث المروع وامثاله يجد الإنسان نفسه يفكر في كيفية وسيلة الاقناع التي يستخدمها دعاة الارهاب لاقناع شاب في مقتبل العمر مليء بالحيوية بأن يتخلي عن اقوي غريزة في الانسان وهي حب الحياة.. فيقوم بإحاطة جسده بالديناميت والمتفجرات ثم في لحظة معينة يضغط علي زر وهو يعلم ان هذه الضغطة سوف يعقبها ان يتفجر جسده الي مئات الاشلاء وان يتفجر معه في نفس اللحظة العديد من الضحايا الابرياء الذين لا يعرفهم ولم يلتق بهم من قبل ولم يسيئوا اليه اساءة مباشرة .تري ما هو الاسلوب الجهنمي الذي يستطيع به هؤلاء الدعاة المجرمون ان يمسحوا به عقول هؤلاء الانتحاريين ويجعلوهم يفرطون بكل اقتناع عن نعمة الحياة ويرتكبوا جريمة ازهاق الارواح التي حرم الله قتلها الا بالحق.
وفي الايام الماضية قدمت قناة »السي. ان. ان – C.N.N« الاخبارية الامريكية تقريرا يشرح وسيلة من الوسائل التي يستخدمها دعاة الارهاب لتحويل الاطفال الصغار الي انتحاريين وقتلة.. والوسيلة بسيطة جدا لكن يظهر انها مؤثرة في ظروف الحياة القاسية التي يعيشها الاطفال في بعض مناطق العالم الفقيرة.. فالدعاة الإرهابيون يجمعون الاطفال الذين يريدون مسح عقولهم بفكرة الجهاد عن طريق الانتحار في حجرات مرسوم علي جدران حوائطها مشاهد متخيلة من الجنة.
وقد عرضت القناة الإخبارية صورا لهذه المشاهد من الجنة مرسومة بايدي اشخاص لا علاقة لهم بالفن.. بل هم عادة ضد الفن.. لكنهم يستخدمونه بهدف تنفيذ مخططاتهم الاجرامية.. فالحائط من اوله الي آخره مرسوم عليه منظر اشبه بالبستان الاخضر الذي تجري من تحته الانهار. وهذا المشهد يقال للصبية الذين يعيشون في حرمان في المناطق الصحراوية والجبلية القاحلة ان المجاهد عندما يفجر نفسه سوف يجد نفسه في اللحظة التالية وقد انتقل للحياة في هذا البستان الذي يتصوره الطفل انه جنة فائقة الجمال. ومع تكرار مشاهدة الطفل ثم الصبي لهذه الجنة الموعودة التي لابد ان يضاف اليها مع بلوغ الفتي سن المراهقة الحديث عن الحور العين يصبح من السهل ان يهيأ نفسيا لتفجير نفسه والاخرين حتي يجد نفسه في الجنة محاطا بالحور العين والولدان..
واذا كانت هذه هي احدي وسائل اقناع الصبية في بعض الدول الفقيرة بالانضمام الي الانتحاريين.. فلابد انه توجد وسائل اخري لاقناع شاب مثل عمر الفاروق النيجيري الذي اراد ان يفجر نفسه مؤخرا في احدي الطائرات الأمريكية المتوجهة إلي ديترويت وعلي متنها اكثر من مائتي راكب فامتثل هذا الشاب الثري المتعلم والدارس للهندسة في جامعات انجلترا.. لابد انه توجد طرق اكثر ذكاء وحرفية وخبثا وانتهازية لمسح عقله واقناعه بأن يفجر نفسه والآخرين.
ان هذه الاساليب التي يستخدمها دعاة الارهاب لغسل عقول الشباب وتحويلهم الي قنابل موقوتة تفجر نفسها قبل ان تفجر غيرها في حاجة الي دراسات من المتخصصين في كل بلاد العالم… سواء رجال الدين او الاجتماع او السياسة او الاقتصاد.. فالظلم والفقر والقهر الذي تعاني منه المجتمعات الفقيرة في مواجهة المجتمعات الغنية هو السبب الرئيسي في هذه الجرائم التي تطول الجميع.. اغنياء وفقراء.. من دول العالم الاول او دول العالم الاخير.
عمارة سويلمالإثنين:
الجريمة البشعة التي وقعت في نجع حمادي يوم الاحتفال بعيد مولد المسيح عليه السلام اعادتني الي ذكريات الطفولة وبدايات الصبا عندما كنا نسكن في عمارة سويلم بالعباسية والعمارة كانت ومازالت من اكبر عمائر زمن الاربعينيات في العباسية.. وهي مكونة من بنايتين كبيرتين منفصلتين يربط بينهما سطح واسع جدا وحوش يتوسط العمارتين وسلالم خدم علي الجانبين.. وكنا سكان العمارة مزيجا من المسلمين والاقباط واليهود.. كان يسكن العمارة ثلاثة اشقاء من آل سويلم اصحاب العمارة.. البكباشي حسنين سويلم الذي كان يسكن وابنته نيفرت وابنه عاصم في الشقة التي تواجه شقتنا من ناحية السلم الرئيسي.. والدكتور احمد سويلم وكان يسكن مع ابنائه رفيق ورمزي وآمال ووجنات في العمارة المقابلة.. ووفائي ونديم سويلم وكانا يكبراننا بسنوات وكانت شقتهما في الدور الاخير من العمارة.. وكانت عايدة كريمة الدكتور فام بشاي تسكن هي وزوجها مينا مقار وابنتهما ناني في الشقة التي تواجهنا من ناحية سلم الخدم..
اما اسرة إيلي ليشع صديقنا الحميم واخواته البنات إستر وراشيل ووالدته فكانوا يسكنون في البناية المواجهة بحيث نستطيع ان نطل من شباك الصالة ونراهم عند اجتماعهم علي مائدة الطعام التي كانت دائما نموذجا للنظام والنظافة والجمال.. أما الدكتور فام بشاي وابناؤه ايزيس وصبحي وفؤاد وكامل الذي كنا ومازلنا نسميه »كمونة« وهم جميعا اشقاء عايدة زوجة مينا مقار فكانوا يسكنون في شقة أسفل إيلي ليشع.. وكنا اطفال العمارة جميعا اصدقاء.. لا يخطر ببال احد منا ان بعضنا مسلم والبعض قبطي وان إيلي ليشع يهودي.. كنا نتردد علي شقق بعضنا وكأننا اسرة واحدة.. نلعب خاصة في ايام الاجازات بالكرة فوق السطوح.. والاستغماية علي سلالم العمارة.. ونضئ الفوانيس في رمضان.. ونتبادل صواني الكعك في الاعياد.. وكان اهلنا الكبار يتبادلون الزيارات.. كان مجتمعا انسانيا يعد نموذجا للمحبة والتآخي والتسامح وقبول الاخر..
وعندما تركنا عمارة سويلم عام ٨٤٩١ لان والدي الذي كان موظفا بوزارة المالية نقل إلي محافظ الاسكندرية ظلت علاقتنا بأصدقاء الطفولة لم تنقطع.. وفي هذا الاسبوع مثلا اتصلت بي كالعادة الصديقة العزيزة إيزيس فام التي اصبحت جدة لتسأل عني هي وابنتها ناني المدرسة التي تقرأ لي باستمرار لانني صديقة ماما وكانت مفاجأة ان اسمع صوت »كمونة« الذي هاجر الي المانيا وتزوج واستقر هناك منذ سنوات بعيدة وعندما سأل »كمونة« عن شقيقي احمد وعلم بأنه رحل عن الدنيا منذ شهور قليلة حزن وقدم لي واجب العزاء ودعاني لزيارته في العين السخنة لقضاء بعض الوقت.. اما نيفرت سويلم زوجة المرحوم الدكتور مصطفي الحفناوي وزير الاسكان السابق فقد نزلت عليها ضيفة في فيينا عندما كان زوجها يعمل مستشارا ثقافيا لمصر بالنمسا.. وقد اخبرتني نيفرت منذ فترة ان إيلي ليشع الذي اضطر للهجرة من مصر بعد ثورة يوليو والذي استقر في فرنسا قد حضر منذ عدة سنوات لزيارة مصر ومعه ابنته وانه صحب ابنته الي عمارة سويلم واستأذن من سكان الشقة التي كان يسكنها هو واسرته ان يسمحوا له بالدخول لكي تتعرف ابنته علي الشقة التي نشأ فيها.. وهو ما يعني ان »إيلي« وهو يهودي فرنسي وليس اسرائيليا لم ينس مصر ولم ينس ايام الطفولة التي كنا نتعامل معه فيها كواحد منا ولا نفكر اطلاقا في انه يهودي ونحن مسلمون.
لقد كانت عمارة سويلم في الاربعينيات هي نموذج للمجتمع المصري الذي لم يكن يعرف التعصب او كراهية اصحاب الاديان الاخري.. لم نكن نعرف ايامها كلمة المواطنة.. ولكننا كنا نعرف اننا جميعا مصريون ابناء وطن واحد.. فما كان اروع هذه الايام التي عشناها في طفوتنا وبداية صبانا.. فهل يا تري يمكن ان تعود؟