]الكتاب المقدس والحياة
المسيحية
"
هل تفهم ما تقرأ ؟ " - "كيف لي ذلك ، إن لم يرشدني أحد
؟"
.
إن هذا الحوار القصير الذي نسبه لوقا إلى فيلبس والخصي الحبشي ( أعمال الرسل 8 : 3.
) يبين ما هو الهدف من هذه المقالات إنها محاولة أن تكون دليل إلى قراءة الكتاب
المقدس
.
يمكن أن يقرأ الكتاب المقدس ككتاب أدب رفيع، أو كتاريخ لبني إسرائيل، أو كمرجع
للمعلومات اللاهوتية. لكن ليس واحدة من هذه توفي القصد من الكتاب حقه كما يعلنه
مدونو الوحي أنفسهم، كما أنها لا توفي حق قارئي الكتاب المقدس واختيارهم المتراكم
مدى القرون
.
عندما قرأ عزرا الكاتب من شريعة موسى في أورشليم أمام أفراد الشعب العائد من السبي،
"فهموا القراءة"، بل "بكوا عندما سمعوا كلام الشريعة"، و "ابتهجوا للغاية". ثم
عادوا في اليوم التالي لينصبوا خياماً لأجل عيد المظال، إطاعة لما تنص عليه
الشريعة. إن سماعهم الشريعة وفهمهم لها حرك مشاعرهم ليعملوا
بمقتضاها
.
بعد عزرا بقرون وصف ج.ب. فيلبس اختباراً مماثلاً حدث معه وهو يترجم العهد الجديد،
قال: مع أني حاولت جهدي أن أحافظ علي مسافة عازلة عاطفياً بيني وبين الإنجيل
والرسائل التي أترجمها، وجدت تكراراً أنها تتكلم بطريقة عجيبة إلي وتعالج حاجاتي
وأوضاعي، أنها الكلمة الحية الباقية
.
هذا التأثر بالكلمة يعكس بدقة الاستعارات المجازية الحية التي نجدها في الكتاب
المقدس والتي استعملها الذين دونوا الوحي لوصف تأثير كلمة الله فيهم. إنها نار
تحرق، ومطرقة تحطم، وماء يطهر، ولبن يغذي، وطعام يقوي، ونور يرشد، وسيف للمكافحة،
ومرآة تكشف. إنها الكلمة "العاملة فيكم أنتم المؤمنين"، "القادرة أن تبنيكم". إنها
الكلمة "الحية والفعالة والخارقة والمميزة"
الكتاب المقدس وثيق الصلة
بالحاضر
.
كل هذا يعني أن من يقرأ الكتاب المقدس بعين واحدة فقط قد لا يقدر القصد الأولى منه،
الذي هو عملي ودينامي، حق قدره. إن قصد الكتاب هو عمل تغيير في حياة قارئه، كذلك
جذب حسه الجمالي وتزويده بالمعرفة التاريخية واللاهوتية. إن الفجوات الحضارية
الكبيرة التي تفصل أزمنة الكتاب المقدس عن زمننا الحاضر تجعل هذا القصد هاماً
للغاية
يبرر الكتاب المقدس إدعاءه بوثوق صلته بالحاضر
بأمرين:
.
الأول، معالجته العوامل الثابتة في الطبيعة البشرية. فإن الرجال والنساء الذين نقرأ
عنهم في الكتاب لهم مطامحهم وسقطاتهم المماثلة لما لنا. وحتى الأبطال في الكتاب،
تعرض سيرتهم في ضوء حق لا يحابى. قال أغسطينوس: السجل المقدس، مرآة أمينة لا
تمالق
.
والثاني، حقائق الكتاب المقدس هي وثيقة الصلة بالحاضر أبدا، لأن الله ذاته لا يتغير
في طبيعته كما في معاملاته مع البشر. فقارئ الكتاب يكتشف حقائق أساسية عن الله،
ويراها جلية بالأحداث التي تمر في حياة شعبه، الأمر الذي يكشف شخصيته ويوضح إرادته
لكل الناس في كل العصور. هكذا نري أن ما كتب حتى عن أحداث الماضي البعيد "كتب من
أجل تعليمنا"، بحيث إننا في الحاضر والمستقبل "نحصل علي الرجاء بما في الكتب من
عزاء
الكتاب المقدس كتاب
عملي
الكتاب المقدس إذاً يحتفظ بتأثيره في عصرنا الحاضر، فما هي الغايات
العملية التي يهدف إليها؟
إنه يدل الناس علي
يسوع
.
إن الغاية من إنجيل يوحنا واضحة :"آيات أخر كثيرة صنع يسوع أمام التلاميذ لم تكتب
في هذا الكتاب، وأما هذه فكتبت لتؤمنوا بأن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم
إذا آمنتم الحياة باسمه"
.
كان ليوحنا في كتابه غاية صريحة يروج لها – التركيز علي يسوع المسيح – فهذا التلميذ
كان أميناً للأسلوب الفريد الذي جمع معلمه فيه غاية كل الكتاب المقدس، عندما قال
راداً علي منتقديه :"أنتم تفتشون الكتب لأنكم تحسبون إن لكم فيها الحياة الأبدية،
وهي التي تشهد لي، لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه كتب
عني"
.
لا عجب في أن يكون التلاميذ بطئ الفهم لعمق معنى هذا الكلام. فيسوع اضطر بعد
القيامة إلي توبيخهم علي خمول فكرهم قبل أن يبين لهم مرة أخرى وبكل وضوح كيف أن
رسالة الكتاب المقدس بكاملها تدور حوله، "فابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر
لهم الأمور المختصة به في جميع الكتب". ويتابع لوقا أن يسوع أعار اهتماماً خاصاً
تلك المقاطع في العهد القديم التي تتحدث عن موته وقيامته، وأشار إليها كحافز على
التوبة وكأساس لمغفرة الخطايا. كان يسوع راسخ الاعتقاد بأن الهدف الأساسي للكتاب
المقدس (العهد القديم) هو إرشاد الناس إلى شخصه. وهذا يعني عملياً، بشهادة يوحنا
ولوقا، أن كل إنسان يمكنه بالتوبة والإيمان أن يجد الغفران والحياة التي جاء يسوع
ومات وقام لكي يمنحها للجميع
.
وأظهر الرسل بوعظهم وكتاباتهم أنهم أخيراً أدركوا فكر يسوع عن أن الهدف الأساسي
العملي للكتاب المقدس هو جذب الناس إليه فهو مخلصهم. فيقول بطرس :"له يشهد جميع
الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران
الخطايا"
.
ويناشد يعقوب قارئيه :"اقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة القادرة أن تخلص نفوسكم".
ويذكر بولس تيموثاوس، "وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تصيرك
حكيماً فتخلص بالإيمان الذي في المسيح يسوع"
إنه ينشئ لنا علاقة
بالله
.
قال مارتن لوثر: كما تذهب الأم إلى المهد لتجد طفلها فقط، هكذا نذهب إلى الكتاب
المقدس لنجد المسيح فقط. إن غاية الكتاب المقدس الأولى هي قيادة النفوس إلي مخلصها
بتحريك براعم الإيمان. غير أن هذا ليس المهمة العملية الوحيدة التي يهدف إلي
تحقيقها. فكاتب الرسالة إلى العبرانيين وبطرس يستعملان تشبيه الولادة والنمو لتوضيح
غاية أبعد للكتاب المقدس. إن المؤمنين بيسوع مخلصاً "ولدوا ثانية … بكلمة الله
الحية الباقية"، لكنهم مثل جميع الأطفال المولودين حديثاً، ينبغي "أن يشتهوا لبن
الكلمة العقلي العديم الغش". لكي يبقوا أحياء وينموا. وإذا تجاوزوا مرحلة الطفولة
عليهم بالطعام القوي الذي هو أيضاَ كلمة الله
.
عملية النمو هذه هي، فوق كل شئ، بلوغ في علاقتنا بالله. فمهمة الكتاب المقدس تغذية
معرفتنا الشخصية بالله، الأمر الذي يسر "الطفل" المسيحي. وكلمة "سرور" تصف الحالة
بدقة، لأن سرور المؤمن يبلغ الأوج بقدر ما يتعلم عن الله. من أجل هذا ينبغي ألا
يصبح درس الكتاب المقدس أمراً جافاً للمسيحي. فارميا يهتف :"كان كلامك لي للفرح
ولبهجة قلبي لأني دعيت باسمك يارب إله الجنود". العلاقات الشخصية تترعرع بالأحاديث،
والمسيحي، من خلال صفحات الكتاب المقدس، يسمع الله يتحدث إليه، وهذا اختبار وصفه
كاتب المزامير بالقول إنه "أحلى من العسل"
.
إن كان هذا يبدو وكأنه لغة رسالة حب، لا تتعجب لأن العلاقة التي يدعو الله المؤمنين
إليها هي علاقة محبة
.
على أية حال، محبة الله لها متطلباتها الكثيرة. فمعرفة الله وإرادته التي ينالها
المؤمن من خلال قراءته الكتاب المقدس تدعوه إلي أن يتجاوب تجاوباً جدياً لا مجال
فيه للعاطفة. قال يسوع :"من يحبني يحفظ كلامي، وأبي يحبه، وإليه نأتي وعنده نقيم …
والكلمة التي تسمعونها هي ليست لي بل للآب الذي
أرسلني"
يتبع
[/b][/size]