الكتاب الذى صادرته الكنيسة نشره سكرتير البابا

زائر

كتب روبير الفارس
العدد 4278 -
السبت الموافق - 5 يونيو 2010

أصدر المجمع المقدس للكنيسة القبطية
الأرثوذكسية قرارا بمصادرة كتاب «أقوال مضيئة لآباء الكنيسة» ، والكتاب
صادر عن دار القديس يوحنا الحبيب للنشر . وهى الدار التى يشرف عليها نيافة
الأنبا بطرس الأسقف العام، وسكرتير قداسة البابا شنودة الثالث ، والمشرف
أيضا على قناة الكنيسة الرسمية «أغابى» ، وهى نفس الدار التى قام المجمع
المقدس بمصادرة كتابها «الله يدعو» فى مايو 2009 على الرغم من تقديم الأنبا
بطرس لهذا الكتاب وصدوره فى 15 طبعة على مدار10 سنوات ! مما يوحى بأن
الدار موضوعة تحت «الميكروسكوب» كذلك مما يجعل الأقباط يتساءلون عن سر
تجاهل محاكمة الأنبا بطرس إذا كانت الدار التى يشرف عليها تنشر كتبا تخالف
العقيدة الأرثوذكسية؟!

خاصة أن السبب المعلن وراء مصادرة كتاب
«أقوال مضيئة» هو احتواؤه لبدعة «تأليه الإنسان» وهى البدعة التى وصفها
قداسة البابا شنودة الثالث بالبدعة الحديثة والتى ظهرت على سطح الفكر
الكنسى فى عام 2006 ، ونسبت لبعض رهبان دير أبو مقار ، والدكتور جورج بباوى
. وأرجع البابا خطورتها إلى أنها تصدر من أشخاص داخل الكنيسة أو كانوا
كذلك وأيضا من خطورتها أنهم يعبرون بها عن الإيمان الأرثوذكسى وأصعب من هذا
كله أنهم ينسبون أخطاءهم إلى القديسين ، إما بعدم فهم منهم لما يقوله
القديسون ، أو بسبب سوء ترجمتهم لأقوالهم أو بلون من الادعاء على القديسين ،
وتعنى بببساطة أن المسيحيين شركاء لله فى طبيعته بالمعنى الحرفى؟!

تشبيهات متداولة

فى حين يؤكد الكثيرون عدم وجود لهذه
البدعة على الإطلاق وأن الأمر كله لا يعدو أن يكون مجرد تشبيه مثل
التشبيهات العديدة والرموز المستخدمة فى الفكر المسيحى مثل جملة «أبناء
الله» و«شركاء الطبيعة الإلهية» أو كما تقول السَبحة الكنسية عن الله «أخذ
الذى لنا وأعطانا الذى له» وكلها تشبيهات متداولة ومفهومة فى إطار
الروحانية المسيحية . ولم يعتبر مسيحى نفسه إلها بالمعنى الحرفى للكلمة ،
ويؤيد هذا الرأى تساؤلات من نوعية ، لماذا غابت هذه البدعة طوال التاريخ
الكنسى ولم تظهر إلا عام 2006 ، وهل هناك علاقة بين غياب أقوال الآباء عن
مؤلفات البابا شنودة والعداوة المتكررة مع الكتب التى تنشر فكرهم وأقوالهم
ومنها كتاب «أقوال مضيئة لآباء الكنيسة» (540 صفحة من الحجم الكبير) ويحتوى
على أقوال لآباء الكنيسة الكبار فى الموضوعات الأساسية بالإيمان المسيحى
وهى «الميلاد والتجسد» و«معمودية المسيح» و«صوم يونان» و«الصوم والتجربة
على الجبل» و«الصليب والفداء» و«القيامة والصعود» و«الروح القدس ويوم
الخمسين» و«الاستشهاد» و«الكنيسة ووحدتها» و«الأفخارستيا» (التناول)
و«التبنى فى المسيح يسوع» وأخيراً «الحب الإلهى والحرارة الروحية وأقوال
متنوعة».

النص اليونانى

ولكى يهرب معد الكتاب - مجهول الاسم -
من أى محاولة للتشكيك فى صحة نسب هذه الأقوال للآباء القديسين الكبار قام
بنشر النص اليونانى - اللغة الأولى لآباء الكنيسة والتى كانوا يفضلون
الكتابة بها - كذلك قام بنشر النص المترجم إلى اللغة الإنجليزية فى مقابل
الترجمة باللغة العربية.

وقد اعتمد الكتاب فى نشر النصوص
اليونانية على ما يعرف بموسوعة MIGNE «منى» عالم الآبائيات الفرنسى والذى
قام بنشر النص اليونانى مع ترجمة لاتينية فى نهرين متوازيين، وقد قام «منى»
بتنظيمها وتبويبها فى قالب موحد وأصدرها فى 161 مجلداً فى باريس فى الفترة
من (1857) إلى (1886) ومجموعة «منى» هذه لم تترجم إلى العربية حتى الآن
وتعد من أهم المراجع العالمية الشاملة عن أقوال آباء المسيحية إذن فالنصوص
الواردة بالكتاب أصلية وسلمية ولا تحتمل التشكيك فى مصدرها.

نصوص ساخنة

أما النصوص التى تسببت فى مصادرة الكتاب
بحجة وقوعها فى بدعة «تأليه الإنسان» فمنها «الشركة مع الله» للقديس
«إيرينيكئوس» والذى يقول فيه (ص26) - إن المسيح كما قلنا

- قد ألف ووحد الإنسان مع الله

- لأنه لو لم يكن الإنسان قد اتحد بالله

- لما استطاع أبداً أن يشترك فى
الخلود

- لذلك كان ينبغى أن يكون الوسيط بين
الله والناس.

- بسبب انتسابه لكل منهما

- يعيد بينهما الألفة والتوافق

- حتى إن الله يقبل إليه الإنسان

- والإنسان يقدم نفسه لله.

- فبأى وسيلة كان يمكننا بها أن ننال
التبنى لله

- إلا بأن نحصل بواسطة الابن على الشركة
مع الله.

- وذلك بأن يصير كلمة الله مشاركا لنا
بأن يصير جسداً.

- لذلك فقد جاء مجتازاً فى جميع
المقامات - حتى يسترجع للجميع الشركة مع الله.

- ومن أقوى المقالات المعبرة عن هذا
الفكر الآبائى ما قاله القديس أثناسيوس الرسولى والبطريرك العشرون فى تعداد
بطاركة الإسكندرية وواضع قانون الإيمان الذى يردده كل المسيحيين. فى
العالم كله، وجاء فى الكتاب صفحة 60 تحت عنوان «قد صار إنساناً لكى يؤلهنا
فى ذاته». ويقول فيها:

- نحن لا نعبد مخلوقًا.. حاشا!

- بل نحن نعبد رب الخليقة المتجسد، كلمة
الله.

- فمع أن الجسد فى حد ذاته هو جزء من
الخليقة، إلا أنه قد صار جسداً لله الكلمة، والجسد لم يجلب عاراً على
الكلمة.. حاشا! بل على العكس، الجسد هو الذى تمجد بواسطة الكلمة، فالابن
الذى كان على صورة الله، لم يفقد شيئًا من لاهوته لما أخذ شكل العبد، بل
على العكس فقد صار بذلك مخلصاً لكل جسد بل وللخليقة كلها، وإن كان الله قد
أرسل ابنه مولودًا من امرأة، فهذا الأمر لا يكون لنا سبب خجل، بل على العكس
هو سبب فخر لنا مع نعمة فائقة، لأنه قد صار إنساناً لكى يؤلهنا فى ذاته،
وصار من نسل المرأة وولد من عذراء لكى يحول لنفسه جنسنا الضال، ولكى نصير
فيما بعد «جنسًا مقدسًا» بل وشركاء الطبيعة الإلهية، كما كتب الطوباوى بطرس
«الرسالة الثانية لبطرس الرسول الإصحاح الأول الآية 4».

نفس المعنى ولكن بشكل آخر يقوله القديس
كيرلس الكبير ومنشور بالكتاب صفحة 72 تحت عنوان «السر الحاصل فى المسيح صار
لنا بداية وطريقاً لاتحادنا بالله» ويقول فيها:

- الابن الوحيد الذى أشرق علينا من نفس
جوهر الله الأب والذى له فى صميم طبيعته الأب الذى ولده قد صار جسدًا بحسب
الكتب ومزج نفسه بنوع ما بطبيعتنا متحداً بهذا الجسد الأرضى اتحاداً لا
ينطق به.

- وهكذا الذى هو إله بطبعه قد دعُى وصار
بالحقيقة إنسانًا سماويًا لكى يوحد بنوع ما فى نفسه .

- الشيئين المتفرقين جداً عن بعضهما
البعض بحسب الطبيعة والمتباعدين جداً عن أى تجانس بينهما «أى اللاهوت
والناسوت»، حتى يرفع بذلك الإنسان إلى مشاركة الطبيعة الإلهية، فقد وصلت
إلينا نحن أيضاً شركة الروح القدس وحلوله وقد ابتدأت بالمسيح وفى المسيح
أولاً لما صار مثلنا أى إنسانًا ومسح وقدس نفسه مع كونه إلهاً بطبعه.

- إذن فالسر الحاصل فى المسيح

- قد صار لنا مثل بداية وطريقة

- لاشتراكنا فى الروح القدس و

- لاتحادنا مع الله.

رهبان أبو مقار

- إذن فالأمر أبعد من رهبان دير أبو
مقار، أو دكتور جورج بباوى ،إنه إجماع من آباء الكنيسة، وإذا ابتعدنا عن
صحة نسب هذه الأقوال للآباء، الأمر المفروغ منه، نجد أنه إذا كان هناك
اتهام بالبدعة فليوجه لهم وهو أمر مستحيل الحدوث لمكانتهم وموقعهم فى
الإيمان المسيحى على مستوى العالم، وكذلك لا يمكن أن تتبرأ الكنيسة
الأرثوذكسية من آبائها خاصة أنه من سمات الكنيسة الأرثوذكسية كونها كنيسة
آبائية، أى أنها ممتدة ومتصلة بتعليم الآباء القديسين للدرجة التى يقول
فيها القديس أوغسطينوس: «من يحتقر الآباء يحتقر الكنيسة» - ويوضح نيافة
الأنبا موسى الأسقف العام للشباب فى كتابه «سمات التعليم الأرثوذكسى» (صدر
فى مارس 1992) شروط الأبوة فيقول: «يشترط فيمن ندعوه «أباً» فى الكنيسة
المقدسة أنه:

أولاً: يكون أرثوذكسى العقيدة،
يعيش بفكر الكنيسة وروحها دون انحراف إيمانى.

ثانياً: أن يكون قد قضى حياة
مقدسة فلا قيمة للفكر والكلام دون السلوك والسيرة.

ثالثاً: أن تكون له مقالات أو
كتب أو رسائل.

رابعاً: أن تتسق تعاليمه مع
التعليم الجماعى لآباء الكنيسة، ويؤكد الأنبا موسى أنه لا يقصد بذلك «عصمة
الآباء» فليس فيهم من كان معصوما من الخطأ!! بل بالعكس فمادام تحدثوا هم
أنفسهم عن ضعفهم والتمسوا الصفح من قرائهم إذا أخطأوا فى تفسير آية أو شرح
قضية لاهوتية.

وحول كيفية قراءة الآباء يقول
الأنبا موسى:

أولاً: نقرأ بصفة جماعية، بمعنى أن
نقرأ للكثير من الآباء إذ يتكاملون ويقدمون لنا روح الكنيسة الجامعة فهناك
تخصصات ورؤى وتركيزات لكن المهم روح الجماعة.

ثانياً: يجب ألا نقتبس سطرا من
أقوال الآباء لتدعيم فكرة خاصة فى أذهاننا، بل كما نأخذ الآباء ككل نأخذ ما
قاله كل أب ككل.

ثالثاً: مراعاة عصر كل أب.. ففى
كل عصر آفات روحية، واجتماعية معينة تختلف من عصر إلى عصر، وفى كل عصر
تتغير مفاهيم الكلمات والتعبيرات والصيغ مع تطور اللغة. إذن فقد حلها
الأنبا موسى، فلماذا لا نعتبر أفكار الآباء بتلك الكلمات والصيغ تحتاج
لوضعها فى إطار تطور اللغة فقط بلا اتهامات ولا بدع ولا مصادرات؟

» مركز الكتاب المقدس في الكنيسة القبطية
» مركز الكتاب المقدس في الكنيسة القبطية
» الكنيسة القبطية في مطلع القرن السادس عشر - 1. غزو العثمانيين أرض مصر - 2. البابا غبريال السابع
» الان حصريا سلسلة الكتاب العظيم(قصص من الكتاب المقدس
» البابا شنودة:القرعة الهيكلية صوت الله في إنتخابات البابا