اعتمدت القسطنطينية علي أنها مركز الأباطرة، ومحل
أقامتهم، وبالتالي لاسقفها يحق
أن تكون له الزعامة الدينية علي العالم المسيحي، كما كان لإمبراطورها
الزعامة السياسية هناك،
إلا أنه مما أضعف من موقفها أن تراث الكنيسة انتقل عن طريق الرسل إلى
الكنائس التي أسسها مثل كنيسة إنطاكية والإسكندرية وروما.. وهنا اقتصرت
القسطنطينية إلى مثل هذا التشريف، لان أحد من الرسل لم يشرفها بالذهاب
إليها أو الاستشهاد فيها.
أما روما فيكفيها فخراً ذهاب بوبولس ومرقس طرس إليها واستشهاد الأولين في أراضيها.
وبهذا تزرع أساقفة روما وحاولوا فرض سيطرتهم الدينية
علي العالم المسيحي من وقت لآخر أول الأمر، حيث لم يكن
أساقفها محل اعتبار مثل أقرانهم الشرقيين، ولذلك أصر الشرق علي موقفه
من زعامة المجامع الكنسية حتى مجمع خليقدونيا عام 451 م، فقد حاول زعماء
الكنيسة الشرقية تأكيد هذه المساواة والمكانة والامتيازات بين كرسي روما
والقسطنطينية، ولكن مندوب البابا في روما عارض بشدة، مُتَمَسِّكاً بأنه
خليفة بطرس الرسول، واعترفت به الاسقفيات التابعة له. وفي سنة 455
أصدر الإمبراطور فالنشيان الثالث إمبراطور روما مرسوم يقضي بخضوع جميع
أساقفة الغرب لبطريرك روما، وساعده علي ذلك ازدياد التجاء أساقفة الغرب
إلى استئناف أحكام المجامع والأحكام القضائية..
وهكذا سارت الأمور حتى تحققت للبابوية في روما سيادتها
الفعلية في صورة عالمية بدءاً من عهد البابا جريجوري الأول
(العظيم) 590- 604 بوصفة خليفةالقديس بطرس
وكان هذا التعظيم من شأن البابوية الرومانية مؤسساً علي الخلافات
الدينية، التي نظروا
إليها من زاويتها السياسية بعكس بابا الإسكندرية وزملائه في الشرق،
مثلما حدث في مجمع خلدوقنيا عام 451، وهو المجمع الذي حمل بذور الانشقاق بين الكنيستين
بشكل نهائي وواضح.