ثانياً ـ الخوف الضار :
وهذا هو الوجه الآخر للخوف، وهو خوف العجز، الخوف الذي يضر بالخائف ويجعله مصدراً للخوف . وهذا الخوف عدو للإنسان، لأنه يهبط من عزيمته، ويشوش ذهنه، ويربك تفكيره ويدمر حياته. وقد جاء الخوف للعالم نتيجة السقوط (تك 3: 10) حيث يقول آدم :" سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت".
(1) تأثيره على الأشرار (غير المؤمنين) : إن الشرير يدمره خوفه، ويقول الحكيم :" الشرير يهرب ولا طارد" (أم 28: 1). وما أكثر الوقائع التي تثبت ذلك، فعندما طرد قايين من وجه الرب، ملأه الخوف وقال للرب:" فيكون كل من وجدني يقتلني" (تك 4: 14)، لقد قتل فأصبح يخشى أن يقتله غيره. كما أن مخاوف هيرودس طاردته بعد أن قطع رأس يوحنا المعمدان (مت14: 1و2)، ففي هلوسة الإنسان المفزعة يخشى كل أنواع الشرور والعوز والخراب والهلاك.
في أيام أليشع هرب جيش الأرميين فزعاً "لأن الرب أسمع جيش الأراميين صوت مركبات وصوت خيل جيش عظيم" (2 مل 7: 6).
الخوف ذاته عدو قاتل:، لأن "خوف الشرير هو يأتيه" (أم 10: 24). ويقول إشعياء:" مخاوفهم أجلبها عليهم" (إش 66: 4). فالخوف يربك الشرير، فعندما رأى بيلشاصر الملك يد إنسان تكتب على مكلس الحائط:" تغيرت هيئة الملك وأفزعته أفكاره وانحلت خرز حقويه واصطكت ركبتاه" (دانيال 5: 5و6). كما أن الخوف يشل قوى الخائف، فعندما دحرج الملاك الحجر عن باب القبر:" من خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات" (مت 28: 4).
(2) تأثيره على الأتقياء : "مهما كان الأمر فإن خشية الإنسان تصنع شركا" (أم 29: 25)، فالخوف يحاول ابليس ان يضعه في قلب المؤمن ليجرد المؤمنين من أسلحتهم في حربهم المقدسة، وقد أمر موسى قديماً أن ينادي :" من هو الرجل الخائف والضعيف القلب. ليذهب ويرجع إلى بيته لئلا تذوب قلوب إخوته مثل قلبه (تث 20:
. وعندما اصطف رجال جدعون لمحاربة المديانيين، نادى فيهم :" من كان خائفاً ومرتعداً فليرجع وينصرف من جبل جلعاد" (قض 7: 3). وقد يصاب الإنسان المؤمن بالخوف والهلع كما بمرض خبيث، فقد قال أيوب:" لأني ارتعاباً ارتعبت فأتاني، والذي فزعت منه جاء علَّي" (أيوب 3: 25) لذلك نرى مؤمنين مع الأسف متسلط عليهم روح الخوف.
كما حصل مع التلاميد عندما تحوَّل الإيمان إلى خوف، فعندما جاء يسوع إلى تلاميذه ليلاً ماشياً فوق البحر الهائج "اضطربوا ... ومن الخوف صرخوا لأنهم ظنوه خيالاً" (مت 14: 26).
الخوف يهدد الحرية المسيحية يهدد حرية المؤمن فيصبح مكبل او مأسور فالله لم يعطنا روح الفشل اي الخوف، فقد ظل يوسف الرامي تلميذاً مختفياً "لسبب الخوف من اليهود" (يو19: 38)، كما رفض والدا الرجل المولود أعمى، الإدلاء بشهادتهما "بسبب الخوف من اليهود" (يو9: 22). وقد اختبأ التلاميذ خلف الأبواب المغلقة "بسبب الخوف من اليهود" (يو20: 19