القيامة هي لقاء عجيب
1 - إنها أولاً: لقاء صديقين متحدين:
هذان الصديقان عاشاً معاً العمر كله، منذ الولادة، بل وقبلها أيضاً، أثناء الحمل في بطن الأم، لم يفترقا لحظة واحدة، وأعنى بهما الجسد والروح. كل منهما طبيعة متميزة تماماً:
الجسد طبيعة مادية، والروح طبيعة روحية، اتحدا في طبيعة واحدة هي الطبيعة البشرية، لا تستطيع أن تفصل بينهما فتقول هنا الجسد وهنا الروح. عاشا بهذه الوحدة العجيبة، التي يعبر فيها الجسد عن كل مشاعر الروح: إن فرحت الروح، يبتسم الجسد ويتهلل. وإن حزنت الروح، يظهر حزنها في عينيه.. وبعد عمر واحد، انفصل الاثنان بالموت. وأخيراً يلتقيان في القيامة.. بعد غربة طويلة، ويتحدان مرة أخرى..!
ترى ما هي مشاعر الروح وهى تلتقى بجسدها، شريك العمر، ربما بعد آلاف أو مئات السنين، مثلما تلتقى أرواح آدم ونوح وإبراهيم بأجسادها..!!
تلتقى الروح بجسدها، بعد أن رأته يتحول إلى حفنة تراب، ثم يعود، وفى صورة أبهى من الأول، بلا أى عيب، ولا نقص، حتى العيوب التي كانت فيه أثناء ذلك الزمان السحيق.. نعم، يقوم بلا عيب، لأن العيوب لا تتفق مع النعيم الأبدى (وأيضاً يعود وهو أكثر صداقة، فلا يختلف إطلاقاً في الحياة الأخرى مع الروح، إذ يقوم جسداً روحانياً).
2- اللقاء العجيب الثانى في القيامة، هو لقاء شعوب وأجناس التاريخ.
إنها قيامة عامة منذ آدم، تجتمع فيها كل الشعوب والأجناس، التي عاشت خلال أجيال وقرون، بكل ملاحهما ولغاتها، بكل أبطالها وقادتها. ألعلها تتعارف وتتفاهم؟! نعم، بلا شك. لأنه ستكون للكل لغة واحدة هي لغة الروح، او لغة الملائكة.
حقاً ما أعجب هذا اللقاء! إنه قصة القصص، وحكاية دهور طويلة. وأجمل ما فيه موكب المنتصرين، الذين جاهدوا خلال حياتهم في العالم وغلبوا. انتصروا للحق والقيم. يلتقون ووراء كل منهم رواية روتها الأجيال.. ويعود العالم شعباً واحداً كما كان، قبل أن يفترق ويتشتت.
ترى كيف سيكون لقاء الشعوب التي كانت متصارعة من قبل؟ أترى تبدو أمامهم تافهة جداً، تلك الأسباب التي دعتهم من قبل إلى الصراع؟!
3 – اللقاء الثالث العجيب، هو لقاء البشر والملائكة.
وهم طبيعة أخرى أسمى من طبيعتنا، ولكن اللقاء بهم إحدى متع الأبدية..
4- وأسمى من هذا كله بما لا يقاس: لقاؤنا مع الله..
التقاؤنا به – تبارك إسمه – هو النعيم الأبدى، ولا نعيم بدون الله.. هنا ويقف قلمى في صمت خاشع، لأنى أمام أمر لا تستطيع الألفاظ أن تعبر عنه، لأنه فوق مستوى اللغة في التعبير، وفوق مستوى العقل في التفكير..
القيامة إذن هي لقاء عجيب..
لقداسة البابا شنودةالثالث