كى
أن ملكا كان يحب بين الحين والآخر أن يتحدث مع شعبه متخفيا . و فى ذات مرة
اتخذ صورة رجل فقير ، ارتدى ثيابا بالية وقصد أفقر أحياء مدينته ، ثم تجول
في أروقتها الضيقة واختار إحدى الحجرات المصنوعة من الصفيح القديم ، وقرع
على بابها ، وجد بداخلها رجلا يجلس على الأرض وسط الأتربة . عرف أنه يعمل
صيادا ، فجلس بجواره وأخذا يتجاذبان أطراف الحديث ... ولم تنقطع زيارات
الملك بعد ذلك فتعلق به الفقير وأحبه ، فتح له قلبه وأطلعه على أسراره ،
وصارا صديقين حميمين .
بعد فترة من الزمن قرر الملك أن يعلن لصديقه عن حقيقته ، فقال له : يا
صديقى أتظنني فقير ؟ الحقيقة غير ذلك ، أنا هو الملك ! ذهل الصياد لهول
المفاجأة ، لكنه ظل صامتا ... قال له الملك : ألم تفهم ما أردت أن أقوله لك
... تستطيع الآن أن تكون غنيا فأنا أستطيع أن أعطيك مدينة ، يمكنني أن
أصدر قرارا بتعينك في أعظم وظيفة ... إنني الملك ، أطلب مني ما شئت أيها
الصديق العزيز ... أجابه الصياد قائلا : مولاى لقد فهمت ، لكن ما هذا الذي
فعلته معي ؟ أتترك قصرك وتتخلى عن مجدك وتأتي لكي تجلس معي في هذا الموضع
الفقير ، وتشاركني همومي وتقاسمني أحزاني ... سيدي ، لقد قدمت لكثيرين
عطايا ثمينة ، أما أنا فقد وهبت لي ذاتك ... سيدي طلبى الوحيد هو ألا
تحرمني أبدا من هذه الهبة ... أن تظل صديقي الذي أحبه ويحبني .
احبائى
تأمل معي ما صنعه هذا الملك مع صديقه ...
ألا ترى أنه ليس إلا صـورة باهتة لما فعله ملك الملوك معنا ... فقد اتـخذ
جســـدا وعاش به على أرضـــنا ، و مر في كل ما يمكن أن نمــر به من آلام
ليتفهم معــــاناتنا لكى يعيننا ...
تألم و ســــفك دمه الثمين ليطهرنا من خطايانا ...
فهل بعد كل هذا ، ألا تقل له من كل قلبك :
و معك لا أريد شيئا فى الأرض . (مزمزر 73 : 25)